تطوير ثم حذف ثم إضافة، وفى النهاية أخطاء علمية وتعليمات بتدريس المناهج كما هى، هذا هو حال المناهج التعليمية بعد قرار وزير التربية والتعليم بحذف 20% من المناهج التعليمية لتطويرها فى غضون 16 يومًا، بحجة تخليص المناهج من الحشو وتغيير نمط التعليم من التعليم بالتلقين إلى التعليم النشط مع بداية العام الدراسى الجديد، وها هو العام الجديد بدأ والمناهج غير واضحة حيث إن النتيجة الحتمية للقرارات المتخبطة غير المدروسة والمتسرعة، فضلاً عن وجود أخطاء علمية فى الكتب الدراسية المطورة التى أقرتها وزارة التربية والتعليم على طلاب الشهادة الابتدائية والإعدادية للعام الجديد،
خاصة أنه كان يجب أن تحدث تعديلات مواكبة للتغييرات التى حدثت فى مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير إلا أن المسئولين عن المناهج قاموا ببعض الحذف دونما أى تعديل جوهرى - بحسب المصريون .
لأمر الذى أثار استياء المعلمين وخبراء المناهج حيث التقينا بعدد للتعرف على آرائهم.فى البداية تؤكد سلوى منير -أستاذ أول مادة العلوم أن المعلومات فى المناهج المطورة الجديدة قاصرة وضعيفة وعقيمة، ولا يوجد بها توسع، ولن تحقق الاستفادة المطلوبة للطالب؛ لأن عمليات الحذف تمت لبعض المعلومات المبنية على الأخرى، وبالتالى عندما يقرأ الطالب لا يتعلم شيئًا لأن هناك شيئًا ناقصًا، على سبيل المثال تم حذف خطوات إثبات التجربة من كتاب المدرسة، وأصبحت التجربة معلومة تعطى للطالب فقط.
وترى أن الهدف الأساسى من التطوير هو عملية تفريغ للطلاب، متسائلة كيف يطالبون الطالب بالاختراع والبحث العلمى، والتمارين قليلة، وليست كافية؟!
وتضيف أن وزارة التربية والتعليم تحاول إرهاب المعلم، وما تفعله من تغييرات واستحداث لبعض الوسائل تعتبر تغييرات شكلية تضر بمصلحة التعليم؛ لأنها تعتبر أمورًا طارئة لم تتم دراستها ومعرفة مدى جدواها، مؤكدًة أن التغيير لا يمكن أن يكون لطالب تربى فى ظل جو تعليمى يعتمد على التلقين، ولم يعرف معنى التعليم النشط، والآن هو مطالب بتنفيذ ملم يتدرب عليه.
* أخطاء كتب الوزارة متكررة منذ سنوات طويلة
يقول حسين عبد الناصر -أستاذ أول مادة العلوم إن الأخطاء العلمية لم تقتصر على المنهج المطور للصف الثالث الإعدادى فحسب، بل احتوت كتب الوزارة للصف الأول والثانى الإعدادى على أخطاء علمية، كما أن هناك أخطاءً متكررة فى الكتب المدرسية مضى عليها سنوات طويلة ولم يتم تغييرها.
ويتفق مع سابقيه فى أن المناهج معلوماتها بسيطة وأقل من مستوى الطالب العادى أو المتوسط، على الرغم من أن الكتاب المدرسى مصمم بطريقة تربوية جديدة، مؤكدًا أنه على سبيل المثال تم حذف بعض الدروس من "وحدة الكون"، واقتصرت على مجرد النشأة، فبدلاً من أن يتم تطوير هذه الوحدة إلى وحدة علم الفلك تم اختصارها إلى معلومات قاصرة لا تستغرق ساعة فى شرحها للطلاب.
ويشير إلى أنه إذا تم المقارنة بين منهج الصف الثانى الإعدادى والصف الثالث، نجد أن كتاب الصف الثانى يحتوى على معلومات مفيدة أكثر.
ويستنكر قرارات الوزارة المتخبطة فى تطوير المناهج، معللاً ذلك بعملية الارتباك الشديدة التى شهدتها العملية التعليمية فى بداية العام الدراسى الماضى، بعد تأخُّر وصول الكتاب المدرسى إلى المدارس.
وحول المنهج الذى بثَّته الوزارة على موقعها؟ كشف عبد الناصر عن أن المنهج الذى بثته الوزارة على موقعها كان مخالفًا لما جاء فى الكتاب المدرسى!.
ويلفت النظر إلى أنه بدأ بشرح المناهج دون معرفتها، فكان من الأولى أن يتم تدريبهم على المناهج والأساليب المتاحة لكيفية التعامل مع التعليم النشط؛ حتى تتحقق الإفادة والاستفادة لدى الطلاب.
ويكشف عن وجود تعليمات من وزارة التربية والتعليم تنص على ضرورة أن يُدرِّس المعلم إلى الطلاب المعلومات كما هى، مؤكدًا أن نظم الحكومة القديمة والتى كانت تستخدم بأن توقع الطلاب فى أخطائها ما زالت كما هى، وبالتالى يدمرون ما بقى من التعليم.
* المنهج المطور أكثر تعقيدًا من السابق
يقول أحمد على منصور -أستاذ أول الرياضيات- إن منهج الرياضيات المطور الجديد أصبح أكثر تعقيدًا إذا تم مقارنته بالمنهج السابق؛ لأنه قد تم إقرار نظريات كان الطالب يدرسها فى الصف الأول الثانوى، فضلاً عن أن التمارين الرياضية فى الكتاب المدرسى قليلة للغاية، وهو ما يدفع إلى الاستعانة بالكتب الخارجية التى ترفضها الوزارة.
ويوضح أن المنهج يعتمد بشكل مباشر على ما تم دراسته فى الأعوام السابقة، ولكن الطلاب غير مؤهلين لذلك، ولم يتم تدريبهم على ذلك، وبالتالى لا يحتفظ الطالب بكتب العام الدراسى السابق.
ويرى أن المناهج الجديدة اعتمدت على الطرق التربوية الحديثة فى التربية التى تعتمد على جهد الطالب والمعلم- قبله- فى جمع المادة العلمية، فالمعلم عليه أن يضيف من خلال خبرته وقراءته على الدرس، حتى لو لم يتم تدريبه، قائلاً: "إللى عايز يشتغل يشتغل ولكن للأسف إحنا كمعلمين مش عايزين نطور من أنفسنا".
ويبيِّن أن تغيير مصطلح "الفتح العثمانى" إلى "الغزو العثمانى" يقصد بها أن الفتح العثمانى للمنطقة العربية لم يكن بقصد الاهتمام بهذه المنطقة، ولكن لاستعمارها واستنفاذ خيراتها لصالح الجنس التركى، وقد يكون أيضًا بسبب الطعن فى الخلافة العثمانية، ومحاربة أى مشروع يهدف إلى وحدة العالم الإسلامى، فضلاً عن تذكير الرأى العام بأن تركيا الحديثة الآن ما هى إلا امتداد للآلاف من العثمانيين الذين يريدون أن يسيطروا على المنطقة لصالحهم، وتهكَّم من إضافة درس كامل فى التاريخ إلى الصف الثالث الإعدادى بعنوان الحياة السياسية وعلاقات مصر الدولية لا يتحدث إلا عن دور عدد من الأحزاب ولا يشير إلى الثورة الحديثة مطلقًا، وكأنه لم يدر بوجودها بجانب أن هدفه الأسمى هو تجميل صورة الحياة الجديدة أمام عيون الأجيال الصاعدة، وهذا الأمر مرفوض؛ لأنه إذا أردت أن تُدرِّس تاريخ فعليك أن تدرس كل الأحزاب فى مصر وجميع القوى السياسية والجماعات السياسية على الساحة، حتى تكون منصفًا وتعطى الطالب الحرية الكاملة فى المقارنة بين الأحزاب والجماعات السياسية حتى يخرج بالحقيقة.
* الأخطاء العلمية والتاريخية سببها سلق المقررات
وعلى صعيد الخبراء، تؤكد وفية عبد المجيد -خبير تربوى وأستاذ مناهج بجامعة جنوب الوادى- أن عمليات الحذف والإضافة إلى المناهج الجديدة، كان من المفترض أن تتم بشفافية شديدة أمام مرأى ومسمع من الخبراء والمتخصصين؛ لأن العملية التعليمية ليست بمعزل عن الرأى العام، وما حدث للمناهج يعتبر عملية "سلق" للمقررات، وكانت نتيجته الحتمية كثرة الأخطاء العلمية والتاريخية التى شهدتها الكتب الدراسية.
وتنتقد وجود مثل هذه الأخطاء فى الكتب المطورة التى تحمل فى مقدمتها عبارة "نأمل أن يحقق هذا الكتاب ما تصبو إليه السياسة التعليمية فى مصر"، متسائلةً: عن سبب إصرار الوزارة على مراجعة محتوى الكتب الخارجية، رغم أن كتبها تضم مثل هذه الأخطاء!
وتحذِّر من فرض قيود على بيع الكتب الخارجية فى الوقت الذى يحتوى فيه الكتاب المدرسى - المصدر الوحيد للمعلومة فى حالة وقف تداول الخارجى- على أخطاء علمية.
وترى أن الخطأ قد يكون خطأً مطبعيًّا وارد التصحيح، وهذا لم يكن جديدًا على المناهج التعليمية، فكثيرًا ما تكررت هذه الأخطاء، ويتم إخطار المدارس بتصحيح الخطأ، أما دون ذلك وإذا كان الخطأ مقصودًا ومعتمدًا، فإن التعليم يفقد مصداقيته وجديته فى الارتقاء بالطلاب.
وتصف المناهج التى تحض الطلاب على المشاركة السياسية بالنفاق الرخيص؛ لأن التعليم مهمة وطنية ليس مرتبطًا بنشاط حزب أو عملية سياسية، موضحة أن الحكومة تهدف بالإضافات إلى أن تكون أكثرة سيطرة على المناهج، وتخرِّج طلابًا خاضعين للحكومة أكثر من وطنهم، وكأنهم طلاب يحضرون مؤتمرًا للحزب الوطنى المنحل.
* عمليات التطوير كانت نوعًا من الخديعة والدجل السياسى
يؤكد الدكتور عادل عبد الغفار - الخبير التربوى- أن الوزير السابق جاء ليقضى على ما تبقى من القومية والهوية التاريخية للمناهج، ويسير بنفس الخطة لصالح الأجندة "الصهيوأمريكية" التى بدأها فتحى سرور، وأضاف عليها حسين كامل بهاء الدين، لكى يرضيا الغرب أو ما يسمى بالدول المانحة.
ويوضح أن عمليات الإضافة والحذف التى شهدتها المناهج دخلت فى إطار الخديعة والدجل السياسى، لتعارضها مع القانون وإصدار قرارها من خلال مجلس الشعب المنحل وكأن الثورة لم تهب على التعليم.
ويلفت النظر إلى أنه على الرغم من منع وزير التربية والتعليم إعطاء التراخيص للكتب الخارجية؛ لوجود بعض الأخطاء العلمية بها، فإن كتب المدرسة تحتوى على 1000 خطأ لغوى وإملائى، متسائلاً من الذى سيصحح هذه الأخطاء؟! هل هم 166 خبيرًا أمريكيًّا الذين يديرون المعونة الأمريكية، موضحًا أن الشعب سيصاب بالجهل.
ويبين أنه إذا نظرنا إلى الكتب التى أصدرها مركز التطوير فى التاريخ والتربية الوطنية والتربية الإسلامية وغيرها، نلاحظ أنها قد عرضت الظواهر القومية والتاريخية والدينية بطريقة تجعلها تصلح لأى دين ولأى وطن كما تصلح حتى للا دينيين!!
ويشير إلى أن مصر ليس لديها إستراتيجية للتعليم، والحقيقة أن الموجود حاليًّا خطط وهمية وضعتها لجنة التطوير برئاسة حسن الببلاوى، رئيس هيئة المعونة السابق.
ومن جانبه يؤكد الدكتور رضا أبو سريع، مساعد وزير التربية والتعليم لتطوير المناهج، أن مركز التطوير الموجود بالوزارة لديه الصلاحيات كاملة حتى يقوم بالتعديلات اللازمة للمناهج وذلك عن طريق صفوة من خبراء المناهج والذين لديهم خبرة كبيرة بالمناهج وكيفية التغيير. مشيرًا إلى أن المرحلة التاريخية الحالية تعتبر من أهم وأصعب مراحل التحول فى تاريخ مصر ولذا يجب ألا يتم التأريخ لها عن وجه السرعة وذلك لأن الأحداث لم تستقر حتى الآن والمناهج نوع من التاريخ ولذا حتى نكون منصفين يجب ألا يتم سريعًا كما ينبغى ألا تتم تغييرات جوهرية للمناهج وخاصة التاريخية منها.